أحزان في زمن الغربة
"وا حرَّ قلباهُ" قد فاضتْ بـه العِلـلُ=وراحَ يعبـثُ فيـه الهـمُّ و الملـلُ
يبكي على طلـل ٍ ماتـتْ أزاهـرهُ=وفي لهيبٍ مـنَ الأحـزان يغتسـلُ
ما عادَ يشربُ إلاّ الصمتَ من كدر ٍ=ويستقي الغصةَ الحـرىّ و يعتمـلُ
كم أوصدتْ دونّـهُ الأيـامُ مرفأهـا=وآبَ فـي غـابـةِ الآلام ِ ينتـقـلُ
هذا حصادك يا "مجنونُ" مـن أمـلٍ=أضعتَ عمرك لا ( ليلى ) ولا أمـلُ
قالت لكَ الناسُ: لا تركبْ عواصفها=ففي الرحيل جراحُ الكـون تَشتَعِـلُ
ماذا تبَقّى سـوى الأحـزانِ لاهثـة ً=على مآقيك يستـذري بهـا الأجـلُ
حتى القصائدُ قـد غابـتْ مطالعهـا="مذْ حمَّلوها وسارت بالهوى الإبـلُ"
يمضي الزمانُ و"بغدادُ" الهوى قمـرٌ=وثغرها العذبُ قد جُنّـتْ بـه القُبَـلُ
حَسبُ القوافي إذا مالـت ضفائرهـا=أن تستفزَّ وأن يحلـو بهـا الغـزلُ
تمنيـاً حُملّـتْ أنفاسـهـم حَـسـداً=يا بِئسَ ما حملتْ يوماً ومـا حملـوا
قالوا تسمَّر فيها الليـلُ و احترقـت=رؤى النجوُمِ وأخفى سِحرهـا الكَلـلُ
فلا "عيونُ المها" في الجسرِ حالمـةٌ=ولا "الرصافةُ" بالأضـواءِ تكتحـلُ
نامَ "النواسي" وكأسُ الحبِ مترعـةٌ=وعاجَ يسأل كيفَ الجُـرحُ يندمـل ؟
ولابَ منْ أبصر الأعمـى قصائـدَهُ=على التسّهدِ لـم تغمـضْ لـه مُقـلُ
يا مالئَ الكـونِ أصـداءً بصيحتـه=وشامخاً ، دونهُ قـد ينحنـي الجبـلُ
تنامُ " أنتَ " وتبقى الخلـقُ ساهـرة ً=علـى شـواردك العصمـاءَ تقتتـلُ
كلُ المقاييس قـد صـارت مُزيفـةً=فالحرُّ حـافٍ وذاكَ العبـدُ منتعـلُ
فكم (معرّي) يعيشُ العمـرَ مكتئبـاً=وكم جهـولٍ إليـهِ العيـسُ ترتحـلُ
وكم تذمّر من عطرِ الشـذى رَجـلٌ=ما كانَ في العامِ و العاميـن يغتسـلُ
طفنا الصحارى نرومُ الوِرد من ظمأ ً=وقد حملنا الذي مـا ليـس يُحتمـلُ
وكم صرخنا ب"أهل الكهفِ"نوقظهـم=لكنهمْ في كؤوسِ العـارِ قـد ثملـوا
ماذا جرى ؟ ألفُ آهـاتٍ تمزقنـي=ماذا ؟ وتهربُ من أقدامي السُبـلُ !
خمسونَ عاماً دماءُ "القدسِ" نازفـة ً=وفي العيونِ سؤالٌ صاغـه الوجـلُ
من ذا يَـرّدُ لهـذي الـدارِ هيبتهـا=ومن يُعيدُ لهـا مـا باعـهُ السَفََـلُ
ترنو إلى الثأر في أحـداقِ "عاربـةٍ="واخجلتاه ، بهذي يُضربُ المثـلُ ؟!
ماذا سوى الموتِ يغفو في عرائشهـا=ماذا ، ويخنقني التسآل و الخجـلُ !
يا صبرَ أيوب لو يدريك كم صبرتْ=على الجراحِ جـراحٌ عـدتَ تبتهـلُ
كم واعدونا بـأنَّ الأرضَ راجعـة ً=وأوهمونـا بـأن العـارَ مُغتـسـلُ
وصورّوا النصرَ احلامـاً ملونـة ً=وكل ما صـورتْ أحلامهـم دجـلُ
فاللهَ اللهَ مــن هَــم ٍّ نـكـابـدُه=ومن زمان ٍ بـه يستنـوق الجمـلُ
بالأمسِ "أعرابنـا" يحدونهـم إِبـلاً=و اليوم "أعرابنـا" تحدوهـم الإِبـلُ
يا حاديَ الروح خذنا نحـوَ شاطئنـا=فقد سئمنا وأضنـى روحنـا الختـلُ
خذنـا إليـكَ لعـهـدٍ لا نـغـادرهُ=أن يُعبدَ الله لا( العُزّى) ولا (هبـلُ )
[/font]